الثلاثاء, أبريل 29, 2025

تسوية نزاعات العمل الجماعية في الجزائر

في إطار تسوية نزاعات العمل الجماعية يعتبر العمل على الوقاية منها من أهم الوسائل التي تشغل اهتمام كل من العمال و أصحاب العمل على السواء ، إذ أنه و بالعودة إلى القوانين المنظمة لإبرام الاتفاقيات الجماعية و لمضمون و أحكام هذه الأخيرة ، فإننا نستشف وجود وسيلتين لتفادي هذه النزاعات و هما المفاوضات المباشرة ، و اللجان المشتركة، أما إذا لم تفلح هاتين الوسيلتين فإنه يتم اللجوء إلى الآليات العلاجية، والتي هي عبارة عن تلك الإجراءات التي تهدف إلى دراسة و بحث أسباب النزاع الجماعي، و إيجاد الحلول المناسبة له ضمن أطر و هيئات معينة ، على نحو المصالحة، الوساطة ، التحكيم.
و عند فشل أو عجز الآليات التي سبق بيانها في تسوية النزاعات الجماعية ، يبقى الإضراب كآلية ضغط مشروعة أقرها القانون وفق ضوابط معينة في يد العمال أو ممثليهم في مواجهة أرباب العمل أو المستخدمين .
تعريف علاقات العمل الجماعية : عرف المشرع الجزائري علاقة العمل الجماعي بأنها اتفاق مكتوب يتضمن شروط التشغيل و العمل فيما يخص فئة أو عدة فئات مهنية، و تبرم داخل المؤسسة الواحدة بين المستخدم و الممثلين النقابين للعمال، كما تبرم بين مجموعة مستخدمين أو تنظيم عدة تنظيمات نقابية تمثيلية للمستخدمين من ناحية أو تنظيم أو عدة تنظيمات نقابية للعمال من ناحية أخرى .
خصائصها: تتسم علاقة العمل الجماعي بالعديد من الخصائص أبرزها :
1-الصفة التعاقدية : بالرغم من أن شروطه و أحكامه تكون واجبة الإتباع عند إبرام العقود الفردية بوصفها الشريعة العامة واجبة الإتباع ، إلا أن ذلك لا يفقده الصفة التعاقدية، فعلاقة العمل الجماعية هي عبارة عن اتفاق يبرم بين طرفين و يكون نابعا من إرادتيهما أي إرادة العمال و إرادة صاحب العمل أو من يمثلهما و من ثم لا يعود هناك مجال للخلط بينها و بين التشريع الذي تصدره الدولة أو النظام الداخلي للمؤسسة.
2- الصفة الجماعية: لا يتصور وجود علاقة العمل الجماعية إلا إذا كان أحد طرفيه مجموعة من العمال أو من يمثلهم كنقابة، و بغض النظر عن الطرف الآخر إذ يكون صاحب عمل واحد أو أكثر أو جهة تمثلهم كنقابة.
3-علاقة العمل الجماعية من العقود الشكلية : طبقا للمادة 114 من القانون 90-11 اعتمد المشرع الشكلية عند إبرام علاقة العمل الجماعية، عندما نص على أن علاقة العمل الجماعية هي عبارة عن اتفاق مكتوب، و صفة الكتابة هنا تعد ركن في العقد و ليست مجرد وسيلة إثبات يؤدي تخلفها إلى بطلان الاتفاق .
و الحكمة من اشتراط الكتابة هنا تتمثل في محاولة المشرع قطع أوجه النزاع بين الطرفين حول موضوع العقد، و تحقيقا لهذا الشرط فقد قضى المشرع الجزائري من خلال المادة 119 من القانون 90-11 ، بضرورة أن يتم إشهار كل الاتفاقيات الجماعية التي تكون طرفا فيها في أوساط جماعات العمال المعنيين ، وتوضع نسخة من الاتفاقيات الجماعية دوما تحت تصرف العمال .
تعريف منازعات العمل الجماعية: تعرف النزاعات الجماعية في العمل بأنها تلك الخلافات التي تثور بين مجموعة من العمال أو التنظيم النقابي الممثل لهم من جهة، و صاحب أو أصحاب العمل أو التنظيم النقابي الممثل لهم من جهة أخرى حيث يتمحور النزاع الجماعي للعمل حول الحقوق و المصالح الجماعية للعمال ، كتطبيق اتفاقية عمل جماعية أو حول تعديل قانون يحكم و ينظم العلاقة بين العمال و المستخدمين ، حيث يقوم النزاع الجماعي على معيار المصلحة الجماعية المشتركة للعمال ، و هو ما يميزها عن المصلحة الشخصية في المنازعات الفردية .
أنواعها : تتنوع أسباب و حالات قيام نزاعات العمل الجماعية إلى عدة أسباب حيث تنشأ إما بمناسبة تطبيق قانون قائم أو تعديل قانون، أو تفسير اتفاقية جماعية.
1- نزاعات متعلقة بتطبيق قانون: تثور في غالب الأحيان نزاعات بين العمال و المستخدمين حول تطبيق قانون يدعى العمال فيه خرق المستخدم لبند منه في بنود الاتفاقية المبرمة بينهما، فيما يتعلق بالتصنيف المهني لفئة أو لفئات العمال، بحيث تم تصنيفهم مثلا في مرتبة أقل مما صنفهم فيها القانون .
2- نزاعات متعلقة بتعديل قانون: في هذه الصورة يتمسك العمال أو أصحاب العمل بحقهم في المطالبة بتعديل و مراجعة عقد أو اتفاقية جماعية من أجل الوصول إلى زيادة في الأجور أو الحصول أو الاستفادة من بعض الامتيازات الاجتماعية، بناء على تغير وضع أو أوضاع اقتصادية و اجتماعية ، و ظهور معطيات جديدة تفرض مراجعة القانون أو الاتفاقية .
3- نزاعات متعلقة بتفسير اتفاقيات جماعية : يجب على الطرفين في علاقة العمل الجماعية الالتزام بما تم التوصل إليه في الاتفاقيات الجماعية و ذلك بتطبيقه و تنفيذه ، و في ذلك يجب أن تكيف كل العلاقات وكل عقود العمل الفردية المبرمة قبل التوقيع على الاتفاقية أو الاتفاق الجماعي للعمل مع البنود الواردة فيها مع ما يتطابق ليكون أفضل بالنسبة للعامل.
غير أنه يمكن توقع سوء تفسير لبند أو شرط متضمن في الاتفاقية الجماعية بما يمس أو يلحق ضررا بالعمال، إذ يمكن أن يكون هناك نزاع فردي إذا مس عاملا واحدا ، أو جماعيا إذا مس فئة من العمال أو قطاعا معينا بسبب سوء تفسير أو سوء تطبيق اتفاقية جماعية ، خاصة إذا تمسك الطرف الآخر أي المؤسسة المستخدمة بقرارها مما يسمح للطرف المتضرر باللجوء إلى رفع النزاع إلى الجهات المتخصصة لتسويته بقصد تجنب تأزم الأوضاع و عرقلة العمل.
الآليات الوقائية من المنازعات الجماعية :
يعتبر العمل على الوقاية من النزاعات الجماعية في العمل من أهم الوسائل التي تشغل اهتمام كل من العمال و أصحاب العمل على السواء ، و بالعودة إلى القوانين المنظمة لإبرام الاتفاقيات الجماعية و لمضمون و أحكام هذه الأخيرة ، فإنه يتبين لنا وسيلتين وقائيتين لتفادي وقوع النزاعات الجماعية هما المفاوضات المباشرة ، و اللجان المشتركة .
أولا: المفاوضات المباشرة : تعد المفاوضات المباشرة من بين الطرق الأساسية لحل النزاعات الجماعية ، و التي تتم بين ممثلي العمال من جهة و أرباب العمل أو ممثليهم من جهة ثانية بخصوص ظروف العمل و شروطه، حيث تهدف هذه المفاوضات إلى عرض الخلافات لحلها بتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد أشار إلى هذه الأداة من خلال المادة 04 من القانون 90-02 ، و التي جاء فيها أنه يعقد المستخدمون وممثلوا العمال اجتماعات دورية و يدرسون فيها وضعية العلاقات الاجتماعية و المهنية و ظروف العمل العامة داخل الهيئة المستخدمة، و هذا من أجل تخفيف حدة الخلاف لتفادي التشنجات الاجتماعية و المهنية التي تلوح في الأفق، كما تمكن الاجتماعات الدورية أطراف العلاقة المهنية من عرض و طرح التصورات و التحليلات الخاصة بالأوضاع المهنية و الاجتماعية و الحلول المقترحة لها .
ثانيا: اللجان المشتركة : كثير من الأحيان ما يوكل أمر الوقاية من وقوع النزاعات الجماعية ، أو تفادي تأزم بعض الخلافات التي قد تثور من حين لآخر ، إلى لجان مختلطة دائمة أو مؤقتة، تنشأ لغرض التصدي لمثل هذه النزاعات في مراحلها الأولى، حيث تفوض التشريعات العمالية حرية و صلاحية إنشاء و تنظيم مثل هذه الأخيرة، مهمة و متابعة النزاع و دراسته و اقتراح الحلول المناسبة له.
و من أمثلة الاتفاقيات التي أخذت بهذا الأسلوب من الإجراءات الوقائية، نجد الاتفاقية الجماعية للبنوك و المؤسسات المالية ، التي نصت في مادتها 69 على أنه في ” حالة نشوب خلاف بين صاحب العمل و الممثلين النقابين للعمال ، لأي سبب يتعلق بالمجال المهني و الاجتماعي ، و كذلك الأمر في حالة النزاعات المفاجئة ، يمكن إنشاء لجنة خاصة تتشكل من الممثلين النقابين و ممثل صاحب العمل ، و المفوضين صراحة لهذا الغرض من قبل العمال و أصحاب العمل الأطراف في النزاع ”.
الآليات العلاجية لتسوية منازعات العمل الجماعية :
يقصد بها تلك الإجراءات التي تهدف إلى دراسة و بحث أسباب النزاع الجماعي ، وإيجاد الحلول المناسبة له ضمن أطر و هيئات معينة ، على نحو المصالحة، الوساطة ، التحكيم .
المصالحة : تبنى المشرع الجزائري من خلال القانون المتعلق بالوقاية من نزاعات العمل الجماعية و ممارسة حق الإضراب ، أسلوب المصالحة كإجراء ودي لتسوية نزاعات العمل الجماعية ، و يظهر ذلك من خلال مضمون المادة 05 من القانون 90-02 التي جاء فيها ” إذا اختلف الطرفان في كل المسائل المدروسة أو في بعضها ، يباشر المستخدم و ممثلوا العمال إجراءات المصالحة المنصوص عليها في الاتفاقيات أو العقود التي كل من الجانبين طرفا فيه ، و إذا لم يكن هناك إجراءات اتفاقية للمصالحة ، أو في حالة فشلها يرفع المستخدم أو ممثلوا العمال الخلاف الجماعي في العمل إلى مفتشية العمل المختصة إقليميا .
يتضح من نص المادة أعلاه أنه يوجد صورتين للمصالحة ، الأولى اتفاقية ، و التي تتقرر انطلاقا من الاتفاقيات الجماعية ، حيث يتم تشكيل لجان و بكل حرية و استقلالية بين الطرفين على أساس لجان متساوية الأعضاء ، تحدد نظام عملها الصلاحيات المخولة لها و نطاق عملها .
أما الصورة الثانية فتعرف بالمصالحة القانونية ، و التي يلجأ إليها عند عدم النص على الأسلوب الأول ، أو في حالة فشله ، حيث توكل في هذه الحالة مهمة المصالحة إلى مفتش العمل الذي يقوم وجوبا بمحاولة الصلح بين المستخدم و ممثلي العمال في حالة رفع الخلاف إليه .
الوساطة : و هي ثان إجراء يلجأ إليه طرفا النزاع بعد فشل إجراءات المصالحة ،و نشير إلى أن المشرع الجزائري قد أحدث هذا النظام من خلال القانون 90-02 ،لا سيما من خلال المادة 10 منه و التي عرفت الوساطة بأنها اتفاق يقوم بموجبه طرفا الخلاف الجماعي على إسناد مهمة اقتراح تسوية ودية للنزاع إلى شخص من الغير يدعى الوسيط و يشتركان في تعينه .
إن الوسيط أثناء أداء مهمته يتمتع بصلاحيات واسعة في سبيل تسوية النزاع المعروض عليه ، و تقريب مطالب الأطراف المتنازعة ، فيتولى القيام بالبحث عن أسباب و صحة أساس إدعاء على طرف، من أجل إحاطة موضوع الخلاف بكل جوانبه و مؤثراته، فيتلقى جميع المعلومات التي لها علاقة بموضوع الخلاف ، وكل وثيقة أعدت في ذلك، و استدعاء كل شخص يريد الاستماع إليه و الأخذ بشهادته ضروريا ، و ذلك دون تدخل مفتش العمل إلا بطلب صريح من طرف الوسيط حتى يتمكن من الإحاطة بموضوع النزاع ، ثم اقتراح ما تم التوصل إليه في شكل توصية معللة يعرضها على أطراف النزاع في الأجل الذي يحددانه.
التحكيم : بالرجوع إلى القانون 90-02 نجده أشار إلى نظام التحكيم في نزاعات العمل الجماعية في مادة واحدة و وحيدة و هي المادة 13 منه ، و التي أشارت إلى أنه في حالة اتفاق الطرفين على عرض خلافهما على التحكيم تطبق عليهما أحكام قانون الإجراءات المدنية ذات الصلة ( المواد 1008 إلى 1038 ) .
و بالعودة إلى أحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية نجدها تعرف التحكيم على أنه الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم ، و نشير إلى أن المشرع استلزم أن يكون شرط التحكيم مثبتا كتابيا في الاتفاقية الأصلية أو في الوثيقة التي تسند إليها ، و أن يتضمن تحت طائلة البطلان موضوع النزاع و أسماء المحكمين ، أو كيفية تعينهم بحسب ما نصت عليه المادة 1008 من القانون 08-09.
و تجدر الإشارة إلى أن محكمة التحكيم يجوز أن تتشكل من محكم واحد أو عدة محكمين بعدد فردي ، و نشير إلى أن المشرع نص من خلال أحكام المادة 1019 على انه تطبق على الخصومة التحكيمية الآجال و الأوضاع المقررة أمام الجهات القضائية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، كما تجدر الإشارة إلى أن أحكام التحكيم بعد إصدارها تحوز حجية الشيء المقضي فيه بمجرد صدورها فيما يخص النزاع المفصول فيه .

شاهد أيضاً

إنهاء الرابطة الزوجية في القانون الجزائري

لقد لاحظنا أن أغلب الناس تجهل طرق فك الرابطة الزوجية في قانون الأسرة الجزائري أو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *