1- تعريف عقد الترخيص باستغلال البراءة
يعد عقد استغلال الاختراع ( عقد الترخيص ) من أكثر العقود استعمالا في نطاق الاختراعات لأنه يتيح للمخترع فرصة استغلال اختراعه وطرحه في السوق دون أن يتحمل عبء ذلك، مقابل أن يحتفظ بحقه في الملكية في احتكار الاستغلال من خلال تحديد شروط التنازل.
عقد الترخيص باستغلال البراءة عقد يقوم فيه صاحب البراءة بترخيص حقه باستغلال براءة الاختراع وذلك بدفع مقابل، وقد نص المشرع الجزائري على عقد الترخيص الاختياري في القسم الثاني تحت عنوان الرخص التعاقدية من الباب الخامس تحت عنوان انتقال الحقوق وهذا بنص المادة 37 / 1 من الأمر 03/07 المتعلق ببراءات الاختراع” يمكن صاحب براءة الاختراع أو طالبها أن يمنح لشخص آخر رخصة استغلال اختراعه بموجب عقد “، من خلال نص المادة نجد أن المشرع الجزائري لم يقدم تعريف لعقد الترخيص باستغلال البراءة.
لقد أراد المشرع من وراء إعطاء المخترع البراءة تقرير حقه في احتكار استغلال هذا الاختراع لمدة محددة يعوض ما بذله من نفقات مالية و مجهودات ذهنية و نفسية و أيضا لكي يحقق الفائدة المرجوة من هذا الاختراع له شخصيا و للمجتمع ككل و ليستفيد منه المجتمع بعد انتهاء المدة القانونية لاحتكاره لهذا الاختراع ولكنها – أي الدولة – تلزم هذا المخترع بأن يقوم في أثناء فترة احتكاره لبراءة الاختراع بالاستغلال الأمثل لهذا الاختراع مما يحقق الفائدة و يلبي المتطلبات و الاحتياجات داخل المجتمع .
وقد قامت المنظمة العالمية للملكية الفكرية بتعريف عقد الترخيص على انه ذلك الإذن الذي يمنح من قبل حائز حق الملكية الفردية لآخر لاستخدامه بناءا على شروط متفق عليها و لغرض معين في منطقة معينة، و لفترة زمنية متفق عليها.
عقد الترخيص الاختياري هو من العقود المنتشرة و المستعملة بكثرة في استغلال براءات الاختراع، و يكون الترخيص إما لشخص واحد أو عدة أشخاص كما قد يكون كليا أو جزئيا محدد بمدة معينة أو في إقليم معين.
إنّ لعقد الترخيص عدة أنواع تتمثل في :
1- الترخيص العادي ( البسيط ) :وهو الأصل العام للترخيص وبموجبه يستطيع صاحب البراءة منح حق استغلال نسخة من الاختراع ويحتفظ بحق استغلال البراءة ومنح ترخيصات لأشخاص آخرين بينما لا يجوز للمرخص له منح الغير ترخيصا من الباطن، إلا إذا نص العقد على خلاف ذلك.
2- الترخيص الوحيد: ويكون الترخيص بالاستغلال وحيدا إذا ما منح صاحب البراءة عقد الترخيص لفرد يحتكر وحده حق استغلاله، ويحتفظ فيه صاحب البراءة بالحق أيضا في استغلال اختراعه إلى جانب المرخص له .
وهو ما يسمى بالحصرية النسبية التي تعني امتناع المرخص عن الترخيص بالاستغلال للغير مع إمكانية أن يمضي في استغلال الاختراع بنفسه.
3- الترخيص الاستئثاري: وبموجبه يستطيع صاحب البراءة منح حق احتكار استغلال الاختراع للمرخص له فقط، فلا يجوز لصاحب البراءة والغير استغلاله بعد ذلك وإلا يعتبر ذلك تقليدا.
أما مدة الترخيص بالاستغلال كقاعدة عامة هي المدة القانونية المحددة لاحتكار استغلال البراءة كما يجوز للطرفين أن يتفقا على قصر الترخيص على مدة أقل .
وعليه ينشأ الترخيص بالاستغلال بناء على اتفاق يلتزم بمقتضاه صاحب البراءة بمنح إجازة باستغلال الاختراع بالشروط المتفق عليها مقابل مبلغ من المال ، و الترخيص الاختياري هو عبارة عن عقد رضائي ينشأ بتوافق الطرفين و رضائهما و يجب أن يكون هذا العقد مسجل في السجل الخاص ببراءة الاختراع مقابل دفع رسم محدد.
2- شروط عقد الترخيص باستغلال البراءة
يعرف عقد الترخيص باستغلال براءة الاختراع بأنه “عقد يلتزم بمقتضاه مالك البراءة بإعطاء حق استغلال البراءة أو بعض عناصرها إلى المرخص له مقابل التزام الأخير بدفع مبلغ من المال سواء دفعة واحدة ، أو بصفة دورية أو بطريقة أخرى حسب الاتفاق “.
ينشأ عقد الترخيص للغير بالاستغلال بناء على اتفاق يتم بين صاحب البراءة و الشخص المرخص له ليقوم الأخير باستغلال البراءة بشروط و أوضاع محددة ينص عليها في العقد المبرم بينهما و بمقابل معين ، إلا أن حق الترخيص باستخدام البراءة لا يعطي المرخص له الحق في المساس بحق ملكية البراءة ، حيث يظل هذا الحق محفوظا قانونا لصاحب البراءة ذاته.
إن عقد ترخيص براءة الاختراع هو عقد كبقية العقود يجب أن تتوفر فيه الشروط العامة و المتمثلة في الرضا و الأهلية و المحل و السبب بالإضافة إلى شروط خاصة تتطلبها طبيعة العقد و هي الكتابة و التسجيل و سنتناول هذه الشروط جميعها .
1 – الرضا : يكون الاستغلال لبراءة الاختراع في هذه الحال بإرادة المخترع و رضاه التام من دون أي تدخل من الدولة .
إن عقد الترخيص باستغلال البراءة يعد عقدا رضائيا و ينعقد بتوافق الإرادتين للأطراف من دون أن يحتاج إلى شكل معين و هو الأصل العام ، و لكن بالنسبة لهذا النوع من العقود أوجب المشرع الجزائري كتابة العقد و تسجيله حتى يتمكن الغير من الاحتجاج و هو ما نصت عليه المادة 36/2 من الأمر 03/07 المتعلق ببراءات الاختراع ” تشترط الكتابة في العقود المتضمنة انتقال الملكية أو التنازل عن حق الاستغلال أو توقف هذا الحق ، أو رهن أو رفع الرهن المتعلق بطلب براءة اختراع أو ببراءة اختراع وفقا للقانون الذي ينظم هذا العقد ، ويجب أن تقيد في سجل البراءات .لا تكون العقود المذكورة في الفقرة أعلاه ، نافذة في مواجهة الغير إلا بعد تسجيلها “.
2 – الأهلية : يجب أن يكون المرخص ( المخترع ) شخص له صلاحية التمتع بالحقوق و تحمل الواجبات أي يجب أن يتوفر على أهلية الأداء بمعنى أن يكون الشخص قادرا على مباشرة التصرفات القانونية و يتمتع الشخص بها متى اكتمل سنه 21 سنة خالية من جميع العوارض ( الجنون ، العته ، السفه و الغفلة ) و كذا خالية من جميع الموانع ( عاهة مزدوجة و الحكم بعقوبة جناية و الغيبة و الفقد) .
و تجدر الإشارة إلى أن جميع التصرفات التي يقوم بها القاصر تعتبر غير صحيحة ما عدا التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر فتكون موقوفة على إجازة القاصر لها بعد بلوغه سن الرشد أو إجازة وليه لهذه التصرفات و هذا لكون هذه التصرفات تحتمل الكسب كما تحتمل الخسارة فلا ينفذ التصرف إذا ابرمه القاصر إلا إذا وجده القاصر تصرفا مكسبا له و أجازه .
3 – المحل : يجب تحديد المحل تحديدا نافيا للجهالة الفاحشة ، إذ يجب تحديد نطاق حق المرخص له ، هل هو حق إنتاج الاختراع فقط أو يشمل حق التسويق و البيع، و يعد مكان الاستغلال و مدته من الأمور الجوهرية في عقد الترخيص أيضا، فغالبا ما يرد تحديد مكان استغلال الاختراع داخل دولة معينة أو في منطقة معينة من الدولة الواحدة.
لكي يكون المحل ركنا تاما من أركان العقد يجب أن تتوفر فيه شروط و هي :
_ أن يكون موجودا أو قابل للوجود: أي أن يكون محل التعاقد موجودا أثناء التعاقد أو قابل للوجود مستقبلا أي لا يكون مستحيل التحقق و هو ما نصت عليه المادة 92 من القانون المدني الجزائري فقرة أولى ” يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو محققا “.
_ أن يكون معينا أو قابل للتعيين : و هو ما نصت عليه المادة 94 من القانون المدني الجزائري ” إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته، وجب أن يكون معينا بنوعه و مقداره و إلا كان العقد باطلا ، و يكفي أن يكون المحل معينا بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره .
و إذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء، من حيث جودته و لم يمكن تبين ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر، التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط.
_ أن يكون المحل مشروعا : و يكون المحل مشروعا إذا كان لا يتعارض مع أي من النصوص القانونية التي تمنع التعامل به و هو ما نصت عليه المادة 93 من القانون المدني الجزائري ” إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته أو مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة كان باطلا بطلانا مطلقا “.
4 – السبب : سبب العقد هو الدافع أو الباعث الذي حمل الشخص على قبول التعاقد، و الذي لولاه لما أبرم العقد، و للسبب شرط وحيد و هو أن يكون مشروعا، فإذا كان سبب التعاقد غير مشروع كان العقد باطلا بطلانا مطلقا، و يكون سبب العقد غير مشروع إذا كان مخالفا للنظام العام و الآداب العامة و هذا حسب ما جاء في نص المادة 97 من القانون المدني الجزائري ” إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلا ”
5 – الكتابة : لقد نص مشرع الجزائري في المادة 36 من الأمر 03/07 على شرط الكتابة في العقود المتضمنة انتقال الملكية أو التنازل عن حق الاستغلال أو توقف هذا الحق أو رهن أو رفع الرهن المتعلق بطلب براءة اختراع أو ببراءة اختراع وفقا للقانون الذي ينظم هذا العقد.
لقد ألزم المشرع الجزائري كتابة عقد الترخيص حتى يكون صحيحا، و لم يكتف بكتابته و التوقيع عليه من الطرفين، بل أوجب توثيقه، فالكتابة وفق القانون الجزائري تعتبر شرط صحة للعقد، و ليست شرط للإثبات حسب المادة 36/ 2 من الأمر 03/07 المتعلق ببراءة الاختراع.
و يشترط في العقد الشكلي، إضافة إلى الرضا و المحل و السبب، ركن رابع و هو ركن الشكلية، وتدعى هذه الشكلية بالمباشرة لأنها تتصل مباشرة بتكوين التصرف القانوني أي العقد، حيث يترتب على تخلفها انعدام العقد، حيث أن نص المادة واضح ذلك انه لا يعتبر عقد الترخيص من العقود الرضائية ، و إنما من العقود الشكلية التي يجب إفراغها في شكل معين حتى تكون صحيحة و مرتبة لجميع آثارها القانونية فبعد الانتهاء من مرحلة التفاوض و الوصول لاتفاق يرضي الأطراف و بصيغة تلزمهما معا يتم الانتقال إلى مرحلة تحرير العقد و صياغته .
6 – التسجيل : إن المشرع الجزائري مثلما كان صارما و واضحا في اشتراطه للكتابة، كان أيضا واضحا في اشتراطه للتسجيل ،إذ يجب أن يقيد عقد الترخيص في سجل البراءات و هو ما نصت عليه المادة 36/3 ” لا تكون العقود المذكورة في الفقرة أعلاه ، نافذة في مواجهة الغير إلا بعد تسجيلها ” .
بالرجوع إلى أحكام المرسوم التنفيذي رقم 98/68 الذي ينظم اختصاصات المعهد الوطني للملكية الصناعية و في نص المادة 8 تحدد أنه من بين اختصاصات المعهد هو قيد تسجيل العقود المتعلقة بتراخيص الاستغلال المتعلقة بملكية البراءة إذ تنص المادة ” في إطار المهام الموكلة له يقوم المعهد بما يلي :
_ دراسة طلبات حماية الاختراعات و تسجيلها و عند الاقتضاء نشرها و منح سندات الحماية طبقا للتنظيم .
_ تسجيل العقود الخاصة بحقوق الملكية الصناعية و عقود التراخيص و عقود بيع هذه الحقوق …”.
يودع طلب التسجيل مباشرة لدى المصلحة المختصة و يمكن أن يرسل عن طريق البريد مع إشعار بالاستلام أو أي وسيلة أخرى مناسبة تثبت الاستلام و لا تكون العقود نافذة في مواجهة الغير إلا بعد تسجيلها و هذا حسب نص المادة 37/2 من الأمر 03/07 المتعلق ببراءات الاختراع .
وتجدر الإشارة إلى أنّه إضافة إلى الشروط العامة السابق توضيحها يجب أن يكون المرخص مالكا شرعيا للبراءة، حيث يمكن أن يقوم بإبرام العقد و توقيعه حتى يرتب جميع آثاره القانونية .
يتبع …