عرف المشرع الجزائري الصفقات العمومية في كل القوانين والتنظيمات الصادرة بخصوصها في مراحل مختلفة، فعرفها في تنظيم الصفقات العمومية الأول بموجب الأمر رقم 67-90 ، في مادته الأولى بقوله: ” إن الصفقات العمومية هي عقود مكتوبة تبرمها الدولة أو العمالات أو البلديات أو المؤسسات والمكاتب العمومية قصد إنجاز أشغال أو توريدات أو خدمات ضمن الشروط المنصوص عليها في هذا القانون”، والمقصود بالعمالات الولايات.
وعرفها في المرسوم الرئاسي رقم 10-236، في مادته الرابعة بقوله: ” عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم قصد إنجاز الأشغال واقتناء اللوازم والخدمات والدراسات لحساب المصلحة المتعاقدة”، ثم عرفها في آخر تنظيم للصفقات العمومية بموجب المرسوم الرئاسي 15-247، في مادته الثانية بقوله: ” عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم بمقابل مع متعاملين اقتصاديين وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم، لتلبية حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال واقتناء اللوازم والخدمات والدراسات”.
المبادئ التي تقوم عليها إجراءات إبرام الصفقات العمومية
إن للصفقات العمومية مبادئ عامة تحكمها على اختلاف أنواعها، جاء تكريسها في تشريعات الصفقات العمومية بصفة ضمنية، فنجدها في أحكام المرسوم الرئاسي رقم 02-250،ثم تم التكريس الفعلي لها بموجب أحكام المرسوم الرئاسي رقم 08-338 ، والتأكيد عليها في أحكام المرسوم الرئاسي 10-236 ،وأخيرا المرسوم الرئاسي رقم 15-247 ،في مادته الخامسة بالنص علي: “لضمان نجاعة الطلبات العمومية والاستعمال الحسن للمال العام، يجب أن تراعى في الصفقات العمومية مبادئ حرية الوصول للطلبات العمومية والمساواة
في معاملة المرشحين وشفافية الإجراءات، ضمن احترام أحكام هذا المرسوم”.
وانطلاقا من جعل المشرع هذه المبادئ عامة لكل الصفقات، فإن عدم احترام الإدارة لها يعرضها للمساءلة من جانب الجهة الوصائية، أو أجهزة الرقابة الداخلية أو الخارجية للصفقات العمومية.
مبدأ حرية الوصول للطلبات العمومية
إن اللجوء للمنافسة ركن من الأركان التي يقوم عليها نظام اقتصاد السوق القائم على تعدد العروض لتعدد الطلبات مما يعني حرية اقتصادية، ولا يمكن تصور وجوده في نظام ينكر الحرية الفردية، والمقصود بحرية الوصول للطلب العمومي، هو فتح المنافسة للأشخاص الطبيعية والمعنوية الذين تتوافر فيهم
الشروط المطلوبة للمشاركة بأن يتقدموا بعروضهم أمام المصلحة المتعاقدة المعنية بإبرام الصفقة العمومية محل الإعلان المنشور، وفق الشروط والكيفيات المحددة في دفتر الشروط المتعلق بالصفقة.
فالمصلحة المتعاقدة إذن، يجب عليها أن تقف موقف المحايد تجاه المتنافسين، لتحقق الحرية المنشودة في الصناعة والتجارة و كل مجالات الاقتصاد.
ولكن هذا المبدأ أيضا لا يعني أن المصلحة المتعاقدة تكفل حق المشاركة للجميع، بل يمكنها أن تضع ما تراه مناسبا من قيود تتعلق بالصفقة لتحقيق المصلحة العامة، طالما أن هذه القيود مرتبطة ومذكورة إجمالا في الشروط المعلن عنها في إعلان الصفقة، وتفصيلا في دفتر الشروط الخاص بها، ونظرا لأهمية هذا المبدأ فقد وضع المشرع من الضمانات ما يضمن تجسيده وتطبيقه على أرض الواقع، مبينا أيضا الاستثناءات التي تجعل المصلحة المتعاقدة قادرة على
مخالفة مقتضيات هذا المبدأ، والاستثناء كما هو معلوم تأكيد للقاعدة لا نفي لها.
مبدأ المساواة بين العرضين
إن المصلحة المتعاقدة يجب عليها أن تقف موقف المحايد تجاه العارضين، فالمتعامل العمومي ينظر للطلبات والعروض المقدمة كأصل عام على قدم المساواة بلا تفضيل ولا تمييز، إلا في الحدود التي رسمها المشرع وقيده بها، وهذا تحقيقا وتكريسا لمبدأ عام يتعلق بالصفقات العمومية ويتمثل في مبدأ ” المساواة بين المترشحين أو العارضين”، ومبدأ المنافسة النزيهة، من المبادئ التي كرسها تنظيم الصفقات العمومية، فإنه لن يجد صداه وفاعليته قانونًا وواقعا، إلا إذا تم دعمه بمبدأ المساواة بين العارضين، والذي يعني، بأن كل من يحق
له المشاركة في الصفقات المعلن عنها، أن يتقدم على قدم المساواة مع باقي العارضين دون تفضيل أو تمييز لعارض على أخر.
ولقد نصت جميع الدساتير الجزائرية على مبدأ المساواة بمعناه العام المنافي للتمييز والتفريق بين المواطنين في جميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة، ولذلك جعلته تشريعات الصفقات العمومية الجزائرية مبدأ عاما للصفقة
العمومية، ومكرسا في المساواة للمنتفعين من خدمات المرفق العام، والمساواة في الالتحاق بالوظيفة العامة، وفي تحمل الأعباء العامة من ضرائب ورسوم.
وعليه فعلى المصلحة المتعاقدة أن لا تعمد إلى وسائل التمييز بين العارضين، كما لا يحق لها أن تعط امتيازات أو تضع عقبات أمام المترشحين، سواء كانت وسائل التمييز هذه إجرائية أو واقعية، كأن تضع دفتر شروط يناسب عارضا بعينه بهدف توجيه الصفقة إليه، أو تقبل عرضا وتستبعد آخر خارج القواعد المعلن عنها في إعلان الصفقة ودفتر شروطها ، كما يحق أيضا لكل مترشح أن يستخدم طرق الطعن المكفولة قانونا، إذا تم الإخلال بمبدأ المساواة.
مبدأ شفافية الإجراءات
إن أهمية مبدأ الشفافية في التنظيم الصفقات العمومية لا يمكن حصره في جانب أو مظهر واحد متعلق بالصفقة العمومية، ذلك أنه أحد آليات مكافحة الفساد، وهو أهم الدعائم التي تقوم عليها التنمية الشاملة والمستدامة ، لذلك حرص المشرع على تثبيت مبدأ الشفافية ضمن المبادئ العامة لتنظيم الصفقات العمومية
في المرسوم رئاسي رقم 15-247 ، وليبين لنا أن مبدأ الشفافية يدعم المبادئ العامة الأخرى لتنظيم الصفقات العمومية، سواء من حيث مبدأ حرية الوصول للطلبات العمومية (حرية المنافسة)، أو مبدأ المساواة في معاملة المترشح ين العارضين.
أنواع الصفقات العمومية
إن المتتبع للتشريعات المتعلقة بالصفقات العمومية من الأمر رقم 67-90 ،إلى آخر مرسوم رئاسي لعام2015 يجدها تذكر أربعة أنواع للصفقات العمومية في الغالب، ثم جاءت المادة الثانية والمادة التاسعة والعشرون من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 مؤكدة هذا التقسيم الرباعي لأنواع الصفقات العمومية متمثلة
في:
-صفقة إنجاز الأشغال العامة.
– صفقة اقتناء اللوازم.
– صفقة تقديم الخدمات.
– صفقة إنجاز الدراسات.
غير أن المشرع قد ينص على أنواع أخرى من العقود، يضمنها تشريعات وتنظيمات أخرى، ويخضعها بصريح النص لتنظيم الصفقات العمومية، كما قد يضع لها نصوصا وتنظيمات خاصة تتحرر بها من تنظيم الصفقات العمومية، كعقود التأمين والنقل والتزويد بالماء والكهرباء والغاز وطريقة توصيلها للجمهور، الأمر الذي يجعلنا نقول، إن العقود الإدارية تخضع لأنظمة قانونية مختلفة من حيث طبيعتها.
طرق إبرام الصفقات العمومية
إن إبرام الصفقة العمومية مرحلة مهمة في مسار انعقادها، لذلك فإنها تكون وفق آليات معينة ومحددة، سواء تمت بإجراءات طويلة ومعقدة كما هو الحال في أسلوب طلب العروض، أو تمت وفق إجراءات بسيطة
ومباشرة كما هو الحال في أسلوب التراضي و بالرجوع لنص المادة التاسعة والثلاثون من المرسوم الرئاسي 15-247 ، نجد أن المشرع قد بين كيفيات إبرام الصفقات العمومية، حيث حصرها في قوله: ” تبرم الصفقات العمومية وفقا لإجراء طلب العروض الذي يشكل القاعدة العامة، أو وفق إجراء التراضي”.
فالمصلحة المتعاقدة إذن مقيدة بهاذين الأسلوبين، أسلوب طلب العروض وهو القاعدة العامة والأصل الذي يعد بمثابة الدعوة للمنافسة، وكذلك تجسيدا لمبدأ الشفافية والمساواة بین العارضين، وأسلوب التراضي وهو الاستثناء على القاعدة، الذي يؤكدها ولا ينفيها.
طلب العروض
تطبيقًا لأحكام المادة 93 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 ،فإن طلب العروض أهم طريق لاختيار المتعامل المتعاقد مع المصلحة المتعاقدة على أساس أنه القاعدة العامة والأصل، وبالرجوع للنص الفرنسي في المرسوم نجده ينص على: « Les marches publics sontpassésselon la procédured’appeld’offres » أي أن المصطلح هو “offres’dappel’L “والذي يعني ” طلب العروض “مما يجعل هذه الترجمة تستقيم والمصطلح باللغة العربية، والذي يتمثل في أسلوب من أساليب التعاقد الإداري يتيح للمصلحة المتعاقدة حرية اختيار المتعاقد معها في إطار من المنافسة دون التزامها بمبدأ آلية الإرساء، في حين أن المبدأ الذي يميز مصطلح” المناقصة “المستعمل سابقا، يتمثل في أنه وسيلة أو آلية للإرساء على العطاء الأقل ثمنا، وجاءت المادة الأربعون من المرسوم الرئاسي 15-247 ،مبينة الهدف من طلب العروض، وأن مبدأ “العرض الأفضل” هو المعيار المعتمد للانتقاء بقولها: ” طلب العروض هو إجراء يستهدف الحصول على عروض من عدة متعهدين متنافسين مع تخصيص الصفقة دون مفاوضات للمتعهد الذي يقدم أحسن عرض من حيث المزايا الاقتصادية استنادا لمعايير اختيار موضوعية تعد قبل إطلاق الإجراء”.
ليكون المشرع بذلك قد ضبط مصطلح العروض ضبطا دقيقا، بحيث جعل المعيار المعتمد في إسناد الصفقة، هو” العرض الأفضل”، ولذلك منح للمصلحة المتعاقدة سلطة تقديرية في الجمع بين أكثر من معيار للانتقاء، فليس بالضرورة أن يكون الأقل ثمنا.
التراضي كأسلوب استثنائي في كيفيات إبرام الصفقات العمومية
إن المصلحة المتعاقدة تخضع كقاعدة عامة لكيفية طلب العروض بأشكاله المختلفة والمتعلقة بتنظيم الصفقات العمومية، سواء كان الأمر متعلق بجوانب فنية وتقنية أو ذات طابع متميز، أو تلك التي يتطلب تنفيذها خبرة واختصاص دقيق، فهذا الأسلوب يتسم بدعوة المتعاملين الاقتصاديين للتعاقد معها بطابع معقد
غير مرن، حيث ليس لها حرية كبيرة في اختيار الطريقة التي تعلن بها عن رغبتها في إبرام صفقة للمتعاملين الاقتصاديين باعتبارها مقيدة بالإشهار الصحفي الذي فرضه المشرع عليها كطريقة مادية تعكس بها دعوتها للتعاقد.
تجدر الإشارة إلى أن القصد من إطلاق مصطلح التراضي كأسلوب من أساليب التعاقد في مجال القانون العام، والوارد في تنظيمات الصفقات العمومية الجزائري، هو أن المصلحة المتعاقدة في ظل هذا الأسلوب تتحر من الإجراءات المعقدة والطويلة الخاصة بأشكال طلب العروض المتعددة، الأمر الذي يجعلها راضية عن هذه الحرية التي تفقدها نسبيا بخضوعها لإجراءات وجملة من القيود الإجرائية، وقد عرفت المادة 41 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 والمتعلق بتنظيم الصفقات العمومية وتفويض المرفق العام التراضي بأنه: ” التراضي هو إجراء تخصيص صفقة لمتعامل متعاقد واحد دون الدعوة الشكلية إلى المنافسة..”، فذهب المشرع الجزائري إلى أن التراضي هو إجراء يتضمن منح الصفقة لمتعامل اقتصادي دون حاجة لأن يتضمن هذا المنح الإجراءات المطلوبة في طلب العروض بأشكاله المختلفة، أو هو إجراء خاص يتعلق بإبرام الصفقات العمومية يتضمن تخصيص صفقة لمتعامل واحد دون الدعوة الشكلية إلى
المنافسة، لما في ذلك من تسهيل الأمر على المصلحة المتعاقدة بأن لا تتقيد بعنصر الزمن، الذي يكون عائقا في حالات معينة كالاستعجال، وهذه الحالات كان على المشرع في الحقيقة أن يشير إليها في التعريف ولوبإشارة عامة، بسبب أنها هي السبب في وجود الاستثناء وهو التراضي، فالتعريف الوارد في المادة 47 اهتم عنصر الشكل في التصريح بإعفاء المصلحة المتعاقدة من جانب التقيد بالإجراءات، ولم يذكر أبدا الحالات المتعلقة بالتراضي في هذا التعريف، وبهذا يجب أن يكون التراضي معرفا بحالاته المحددة حصرا.
